فصل: قال ابن الجوزي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والجواب: المراد وقطعناهم اثنتي عشرة قبيلة، وكل قبيلة أسباط، فوضع أسباطًا موضع قبيلة.
السؤال الثاني: قال: {اثنتى عَشْرَةَ أَسْبَاطًا} مع أن السبط مذكر لا مؤنث.
الجواب قال الفراء: إنما قال ذلك، لأنه تعالى ذكر بعده {أُمَمًا} فذهب التأنيث إلى الأمم.
ثم قال: ولو قال: اثني عشر لأجل أن السبط مذكر كان جائزًا.
وقال الزجاج: المعنى {وقطعناهم اثنتى عَشْرَةَ} فرقة {أَسْبَاطًا} فقوله: {أَسْبَاطًا} نعت لموصوف محذوف، وهو الفرقة.
وقال أبو علي الفارسي: ليس قوله: {أَسْبَاطًا} تمييزًا، ولكنه بدل من قوله: {اثنتى عَشْرَةَ}.
وأما قوله: {أُمَمًا} قال صاحب الكشاف: هو بدل من {اثنتى عَشْرَةَ} بمعنى: وقطعناهم أمما لأن كل سبط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيفة العدد، وكل واحدة كانت تؤم خلاف ما تؤمه الأخرى ولا تكاد تأتلف.
وقرئ {اثنتى عَشْرَةَ} بكسر الشين.
النوع الثاني: من شرح أحوال بني إسرائيل قوله تعالى: {وَأَوْحَيْنَا إلى مُوسَى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ أَنِ اضرب بّعَصَاكَ الحجر} وهذه القصة أيضًا قد تقدم ذكرها في سورة البقرة.
قال الحسن: ما كان إلا حجرًا اعترضه وإلا عصًا أخذها.
واعلم أنهم كانوا ربما احتاجوا في التيه إلى ماء يشربونه، فأمر الله تعالى موسى عليه السلام أن يضرب بعصاه الحجر.
وكانوا يريدونه مع أنفسهم فيأخذوا منه قدر الحاجة، وقوله: {فانبجست} قال الواحدي: فانبجس الماء وانبجاسه انفجاره.
يقال: بجس الماء يبجس وانبجس وتبجس إذا تفجر، هذا قول أهل اللغة، ثم قال: والانبجاس والانفجار سواء، وعلى هذا التقدير فلا تناقض بين الانبجاس المذكور هاهنا وبين الانفجار المذكور في سورة البقرة، وقال آخرون: الانبجاس خروج الماء بقلة، والانفجار خروجه بكثرة، وطريق الجمع: أن الماء ابتدأ بالخروج قليلًا، ثم صار كثيرًا، وهذا الفرق مروي عن أبي عمرو بن العلاء، ولما ذكر تعالى أنه كيف كان يسقيهم، ذكر ثانيًا أنه ظلل الغمام عليهم، وثالثا: أنه أنزل عليهم المن والسلوى، ولا شك أن مجموع هذه الأحوال نعمة عظيمة من الله تعالى، لأنه تعالى سهل عليهم الطعام والشراب على أحسن الوجوه ودفع عنهم مضار الشمس.
ثم قال: {كُلُواْ مِن طيبات مَا رزقناكم} والمراد قصر أنفسهم على ذلك المطعوم وترك غيره.
ثم قال تعالى: {وَمَا ظَلَمُونَا} وفيه حذف، وذلك لأن هذا الكلام إنما يحسن ذكره لو أنهم تعدوا ما أمرهم الله به، وذلك إما بأن تقول إنهم ادخروا مع أن الله منعهم منه، أو أقدموا على الأكل في وقت منعهم الله عنه، أو لأنهم سألوا غير ذلك مع أن الله منعهم منه، ومعلوم أن المكلف إذا ارتكب المحظور فهو ظالم لنفسه، فلذلك وصفهم الله تعالى به ونبَّه بقوله: {وَمَا ظَلَمُونَا ولكن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ} وذلك أن المكلف إذا أقدم على المعصية فهو ما أضر إلا نفسه حيث سعى في صيرورة نفسه مستحقة للعقاب العظيم. اهـ.

.قال الثعلبي:

{وَقَطَّعْنَاهُمُ} يعني بني إسرائيل {اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} روى أبان بن يزيد العطار عن عاصم: وقطعناهم بالتخفيف وأراد بالأسباط القبائل والفرق ولذلك أنشأ العدد والأسباط جمع مذكر.
قال الشاعر:
وإن قريشًا كلّها عشر أبطن ** وأنت بريءٌ من قبائلها العشر

فذهب بالبطن إلى القبيلة والفصيلة فلذلك كان البطن مذكر وإنما قال: {أسباطًا أُممًا} بالجمع ولا يقال: أتاني اثنا عشر رجالًا، لأنه أراد الأعداد والجموع فأقام كل عدد مقام واحد، وقيل: معناه وقطعناهم أسباطًا أممًا اثني عشر.
{وَأَوْحَيْنَا إلى موسى إِذِ استسقاه قَوْمُهُ} في التيه {أَنِ اضرب بِّعَصَاكَ الحجر} قال عطاء: كان الحجر أربعة وجوه لكل وجه ثلاثة أعين لكل سبط عين لا يُخالطهم سواه {فانبجست} أخصبت وانفجرت.
قال أهل التفسير: انبجست وانفجرت واحد، وكان أبو عمرو بن العلاء يفرق بينهما فيقول انبجست عرفت وانفجرت سالت.
قال عطاء: كان يظهر على كل موضع من الحجر يضربه موسى عليه السلام مثل ثدي المرأة فيعرق أوّلًا ثمّ يسيل {قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ} من كل سبط {مَّشْرَبَهُمْ} لا يدخل سبط على غيره في شربه وكل سبط من أب واحد. {وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغمام} في التيه يقيهم من الشمس {وَأَنْزَلْنَا عَلَيْهِمُ المن والسلوى} إلى قوله: {نَّغْفِرْ لَكُمْ خطيائاتكم} وقرأ أهل المدينة يغفر بياء مضمومة وخطاياكم بالرفع، وقرأ ابن عامر بتاء مضمومة. اهـ.

.قال ابن عطية:

{وقطعناهم}.
قرأ بعض من الناس {وقطّعناهم} بشد الطاء، وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة {وقطَعناهم} بتخفيف الطاء، ورواها أبان عن عاصم، ومعناه فرقناهم من القطع، وقرأ جمهور الناس {عشْرة} بسكون الشين، وهي لغة الحجاز وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وطلحة بن سليمان بخلاف {عَشرة} بفتح الشين، وقرأت هذه الجماعة أيضًا وطلحة بن مصرف وأبو حيوة {عشِرة} بكسر الشين وهي لغة تميم، وقال أبو حاتم والعجب أن تميمًا يخففون ما كان من هذا الوزن أي أهل الحجاز يشبعون وتناقضوا في هذا الحرف، وقوله: {أسباطًا} بدل من {اثنتي}.
والتمييز الذي بين العدد محذوف مقدر اثنتي عشرة فرقة أو قطعة أسباطًا، وإما أن يزول عن التمييز ويقدر وقطعناهم فرقًا اثنتي عشرة ثم أبدل أسباطًا، والأول أحسن وأبين، ولا يجوز أن يكون {أسباطًا} تمييزًا لأن التمييز لا يكون إلا مفردًا نكرة، وأيضًا فالسبط مذكر وهو قد عد مؤنثًا على أن هذه العلة لو انفردت لمنعت إذ السبط بمعنى الأمة، قال الطبري، وقال بعض الكوفيين لما كان السبط بمعنى الأمة غلب التأنيث وهو مثل قول الشاعر: [الطويل]
فإن كلابًا هذه عشر أبطن ** وأنت بريء من قبائلها العشرِ

قال القاضي أبو محمد: وأغفل هذا الكوفي جمع الأسباط، وإن ما ذهب إليه إنما كان يجوز لو كان الكلام اثنتي عشرة سبطًا والسبط في ولد إسحاق كالقبيلة في ولد إسماعيل، وقد قال الزجّاج وغيره: إن السبط من السبط وهو شجر.
قال القاضي أبو محمد: وإنما الإظهر فيه عبراني عرب.
قوله عز وجل: {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ المَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ}.
قد تقدم في سورة البقرة أمر الحجر والاستسقاء وأين كان وأمر التظليل وإنزال المن والسلوى، وذكرنا ذلك بما يغني عن إعادته هاهنا.
و{انبجست} معناه انفجرت إلا أن الانبجاس أخف من الانفجار، وقرأ الأعمش وعيسى الهمداني {كلوا من طيبات ما رزقناكم} بتوحيد الضمير. اهـ.

.قال ابن الجوزي:

قوله تعالى: {وقطّعناهم} يعني: قوم موسى، يقول: فرَّقناهم {اثنتي عشرة أسباطًا} يعني: أولاد يعقوب، وكانوا اثنى عشر ولدًا، فولد كل واحد منهم سبطًا، قال الفراء: وإنما قال: {اثنتي عشرة} والسبط ذكَر، لأن بعده {أُمما} فذهب بالتأنيث إلى الأمم، ولو كان اثني عشر لتذكير السبط، كان جائزًا.
وقال الزجاج: المعنى: وقطَّعناهم اثنتي عشرة فرقة، {أسباطًا} نعت {فرقة} كأنه يقول: جعلناهم أسباطًا، وفرَّقناهم أسباطًا، فيكون {أسباطًا} بدلًا من {اثنتي عشرة} و{أُممًا} من نعت أسباط.
والأسباط في ولد إسحاق بمنزلة القبائل ليُفصل بين ولد إسماعيل وبين ولد إسحاق.
وقال أبو عبيدة: الأسباط: قبائل بني إسرائيل، واحدهم: سبط، ويقال: من أي سبط أنت أي؟ من أي قبيلة وجنس؟
قوله تعالى: {فانبجست منه} قال ابن قتيبة: انفجرت؛ يقال: تبجَّس الماء، كما يقال: تفجَّر؛ والقصة مذكورة في سورة [البقرة: 58- 60].
قوله تعالى: {نغفرْ لكم خطاياكم} قرأ ابن كثير، وعاصم، وحمزة، والكسائي: {نغفر لكم خطيئاتكم} بالتاء مهموزة على الجمع.
وقرأ أبو عمرو: {نغفر لكم خطاياكم} مثل: قضاياكم، ولا تاء فيها.
وقرأ نافع: {تُغفَر} بالتاء مضمومة {خطيئاتُكم} بالهمز وضم التاء، على الجمع، وافقه ابن عامر في {تُغفَر} بالتاء المضمومة، لكنه قرأ: {خطيئتُكم} على التوحيد. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {وَقَطَّعْنَاهُمُ اثنتي عَشْرَةَ أَسْبَاطًا أُمَمًا} عدّد نعمه على بني إسرائيل، وجعلهم أسباطًا ليكون أمر كل سبط معروفًا من جهة رئيسهم؛ فيخف الأمر على موسى.
وفي التنزيل: {وَبَعَثْنَا مِنهُمُ اثني عَشَرَ نَقِيبًا} [المائدة: 12] وقد تقدّم.
وقوله: {اثنتى عَشْرَةَ} والسبط مذكر لأن بعده {أُمَمًا} فذهب التأنيث إلى الأمم.
ولو قال: اثني عشر لتذكير السبط جاز؛ عن الفرّاء.
وقيل: أراد بالأسباط القبائل والفِرق؛ فلذلك أنث العدد.
قال الشاعر:
وإن قريشًا كلها عشرُ أبْطُن ** وأنت بريء من قبائلها العَشْر

فذهب بالبَطْن إلى القَبِيلة والفَصيلة؛ فلذلك أنثها.
والبطن مذكّر، كما أن الأسباط جمع مَذكّر.
الزجاج: المعنى قطعناهم اثنتي عشرة فرقة.
{أَسْبَاطًا} بدل من اثنتي عشرة {أُمَمًا} نعتٌ للأسباط.
وروى المفضّل عن عاصم.
{وقَطَّعْنَاهم} مخففًا.
{أَسْبَاطًا} الأسباط في ولد إسحاق بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل عليهما السلام.
والأسباط مأخوذ من السبط وهو شجر تعلفه الإبل.
وقد مضى في البقرة مستوفى.
وروى مَعْمَر عن همّام بن مُنَبّه عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم في قوله عز وجل: «{فَبَدَّلَ الذين ظَلَمُواْ مِنْهُمْ قَوْلًا غَيْرَ الذي قِيلَ لَهُمْ} قالوا: حَبّة في شعرة» وقيل لهم: {وادخلوا الباب سُجَّدًا} فدخلوا متورّكين على أستاههم. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {وقطعناهم} يعني وفرقنا بني إسرائيل {اثنتي عشرة أسباطًا} يعني من أولاد يعقوب لأن يعقوب هو إسرائيل وأولاده الأسباط وكانوا اثني عشر ولدًا {أممًا} يعني جماعات وقبائل {وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه} يعني في التيه {أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست} يعني: فانفجرت: وقيل: عرقت وهو الانبجاس {منه} أي من الحجر {اثنتا عشرة عينًا} يعني: لكل سبط عين {قد علم كل أناس مشربهم} يعني لا يدخل سبط على سبط في مشربهم {وظللنا عليهم الغمام} يعني في التيه يقيهم حر الشمس {وأنزلنا عليهم المن} هو الترنجبين {والسلوى} جنس من الطير جعل الله ذلك طعامًا لهم في التيه {كلوا من طيبات ما رزقناكم} أي وقلنا كلوا {وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون} في الكلام حذف ترك ذكره للاستغناء عنه ودلالة الكلام عليه تقديره كلوا من طيبات ما رزقناكم فأجمعوا ذلك وسئموه، وقالوا: لن نصبر على طعام واحد وسألوه غيره لأن المكلف إذا أمر بشيء فتركه وعدل عنه إلى غيره يكون عاصيًا بفعله ذلك فلهذا قال: وما ظلمونا يعني وما أدخلوا علينا في ملكنا وسلطاننا نقصًا بمسألتهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون يعني بمخالفتهم ما أمروا به وقد تقدم بسط الكلام على هذه الآية في سورة البقرة. اهـ.